الشباب هو المرحلة الذهبية بالعمر دون منازع ,فالعطايا والنعم والإمكانيات التي ينالها المرء في هذه المرحلة لا تستطيع أي مرحلة عمرية أن تقدمها له ,فلا الطفولة تستطيع أن تقدم لك الكمال في الجسد والشخصية والطاقة والنظارة ,ولا الكهولة تستطيع أن تقدم لك الكمال في السعادة والإرادة والفكر والعنفوان ,وأعني بالكمال هنا ذروة القوة والطاقات الجسدية والنفسية والنضارة الخارجية والداخلية المتاحة لكل شخص في هذه المرحلة وقدرته على استثمارها النسبي الذي يختلف من شخص إلى أخر وإلى عوامل عدة.
في مرحلة الشباب يكون الإنسان مارداً عملاقاً أقدامه على الأرض ورأسه في السماء,فالقلب بركان هائج تخرج منه حمم العواطف والأحاسيس المشتعلة ,والفكر سماء زرقاء صافية تسبح بها غيوم الخيال بين نجوم العنفوان المشعة ,العزم والإرادة سنديانة خضراء عملاقة تلقي أغصانها فوق بحيرة زرقاء,والأحلام إعصار هائج يذري رياح الأماني في كل الفضاءات وتداعب أغصان المستحيل,وتكون السعادة طفلةً يتموج فيها الجمال في سهول الكبرياء والأنفة.
فالابتسامة تصادق الدمعة, والقسوة النعومة, والأحلام تسير مع المستحيل في غابات الخيال العالية,فتشرق شمس ساطعة على حياتك وتسير كجبل من نار,تنام في أحلام الغد, وتستيقظ في ابتسامة الياسمين.
تسير القوة يدا مع يد مع الجمال في داخلنا وخارجنا في مرحلة الشباب, وأعني بالقوة ليست العضلية فقط منها بل بقوة الشباب ذاتها ,فقوة أي شخص مهما بلغت هي كثيب رملي في صحراء شاسعة أمام قوة الشباب ذاتها التي يتحلى بها كل إنسان في هذه المرحلة من العمر.لذالك كثيراً منا ينظرون إلى سهول واسعة وبعيدة خارج مساحة أملاكهم وأراضيهم,فأنت تظن أنك تمتلك قدرات جسدية ونفسية ومواهب( إن وجدت) أكثر مما هي بالحقيقة,وهذا الشعور تولده قوة الشباب ذاتها فكثيراً ما تدفعك عزيمتك وثقتك بنفسك إلى الدخول في تحديات كثيرة قد لا تكون أهلاً لها.
تضيء قوة الشباب فيك كل المظاهر الجسدية والنفسية داخلياً وخارجياً وتظهر نعم الخالق جل جلاله,فتسير وتعمل أعضاء وأجهزة جسدك ونفسك بقوة مطلقة ونشاط كامل تجنبك المتاعب والمشاكل الكثيرة الذي لا يعرف الشباب إلا القليل منها (باستثناء الحالات الخاصة المرضية).
فالقوة العضلية التي لا تماثلها طاقة تمكنك من القيام بالأعمال التي ترغب بها المجهدة منها والمفيدة والنشاطات المختلفة وتمكنك من الاعتماد على نفسك دون الآخرين , وهذه الطاقة نفسها هي التي تدافع بها عن حياتك وكرامتك وعن أعزاء قريبون منك .0أنا لا أريد أن أظهر أن الضعف الذي يناله الإنسان في الكبر لعنة بقدر ما أريد أن أظهر جمال نعمة الشباب وقوتها) .
في فترة الشباب أنت تنعم بالجمال والفتوة وتسير طبيعة جسدك بعفوية مع الطبيعة التي من حولك فالسعادة تأتي هنا أنك تسير مع مسيرة الحياة بنفس الخطى والسرعة وفي هذه المرحلة بالذات تقترب طبيعتك من الطبيعة التي حولك.
وأعني بالجمال هنا النضارة في شكلها الظاهري حيث يكون جسدك منظر جميل مرسوم بإتقان وهذه المنظر بدوره يولد لك الشعور بالسعادة والراحة والرضا على النفس , فالعقل يتقبل الشيء الواضح والمنظم أكثر من غيره وهذه سيولد عندك السعادة لصورة وجهك الجميل حتى إن لم تشعر بهذه السعادة بشكل مباشر فنظارته هي امتداد لقوة الشباب فيك التي تمتلكها. وهذه يسمح لك شاب كنت أو فتاة بالدخول إلى أرض الجنس الأخر وأن تعيش حياة المشاعر والحب والمحبة وتفجر ما لديك من طاقات ومشاعر مكبوتة,فلا سعادة تماثل تبادل المشاعر بين الجنسين .
وفي الشباب وحده تثبت أقدامك على أرض الجنس الأخر وتتعرف على خفاياه وتنعم بعطاياه وتقترب من كمال جسدك وروحك.
قوة الشباب أيضاً تجعل الفكر والذهن صفاء واستقرار نسبي حتى لو كانت المشاكل التي تحيط تشوشه نسبياً,فالفكر والعقل يكونان في ذروة عطائهم .وإذا كان الرجل المتقدم في العمر يمتلك عقلاً أوعى وبصيرة نافذة أكبر لكنه لا يمتلك القدرة في التركيز والإبداع والذكاء المشتعل الذي يمتلكه الشباب ,لكن الاختلاف يظهر حسب التجارب والذي يواجهها المسن من كشف أسرار الحياة والتعرف على مظاهرها وكشف خفايا الناس والنفوس بتغير المراحل الزمنية والمعيشية.
قوة الشباب كما إنها تغطي المظهر الخارجي منك فإنها تسود المظهر الداخلي فيك,وتجعلها في حالة قوة وصفاء فحبك للحياة وقوة أحاسيسك في هذه المرحلة لن تسمح لأي شعور مكبوت أو موقف حزين التداخل مع أي شعور أو موقف تعيشه,فتعيش كل انفعال وإحساس على حدا فتفرح مع من فرحوا وتعبر عن حزنك مع المحزونين فعوامل البقاء تكون أقوى من عوامل الرحيل من الحياة.
في هذه المرحلة تستطيع أن تمسك بزمام أمور كثيرة ,فمثلا الفتاة الجميلة والصبية لولا الجمال والنظارة التي تقدمها قوة الشباب التي تسري فيها ,ما كنت تستطيع أن تسير بتعالي وثقة مرحلية وتختار شريك أحلامها من طابور المتقدمين.
بعدما تعرفنا على قوة الشباب ونعمها التي لن أسلط الضوء على جميعها يجب أن تعرفوا أن هنالك عاملين أساسين ودليلان على أنك مازلت تنعم بالشباب .
القوة والجمال بمظهريهما الداخلي والخارجي, وبغض النظر عن بعض الأمور التي تغير المقاييس ولا تسمح لك بالتمتع والشعور بقوة الشباب ونعميها ,مثل الأسى والظلم والحزن الذي يواجهه الإنسان في حياته,فمن عاش سنين يسكنها المرض النفسي لن يشعر بصحة ما قلناه عن مزايا مرحلة الشباب وذالك عائداً إلى مرضه التي يشكل غيمة تحجب نور السعادة والعزم عنه.
عندما يبدأ الجمال أي النظارة, والقوة أي العزم بالزوال فإنك تستعد لحزم حقائبك لمغادرة مرحلة الشباب المشتعلة وبدء مرحلة جديدة من العمر.
في الأربعين من العمر يغادر الإنسان مرحلة الشباب وتعد الخمس سنوات القادمة مرحلةً انتقالية يواجه الإنسان فيها التغيرات والأحاسيس المزعجة والمتقلبة لأن العرش يبدأ بالزوال والتلاشي حتى يدخل المرء مرحلة عمرية جديدة مختلفة بمقتضياتها ومزاياها.
كثيراً من الناس يرجعون مقياس الشباب إلى الروح المرحة وما يشعرون به,فيقول أحدهم طالما أشعر أني شاب فأنا شاب, و يقول ثاني أن العمر ما نحس به,لكن هذا ليس صحيح ولا يخلو من الالتباس ،فالأحاسيس لا تغير الواقع ,فالواقع مسيرة وحقيقة مفروضة قاسية ومنتظمة لا تتأثر أو تتغير بالحياة التي تسير بداخلنا, فشعورك في يوم دافيء ومشمس في أحدا أيام الشتاء قد يولد في نفسك شعور أنك في الصيف لكن هذا لا يغير الحقيقة الواقعة ،أنك تعيش الشتاء, ومن كان في الثلاثين من عمره سيشعر إنه أكبر من عمرهم بسبب ظروف مرضية وحزن وأسى في حياته,لكن هذا لا يلغي إنه يسير في أرض الشباب.
وقد يأتي هذا الشعور لأن الإدراك والشعور يكون بمرحلة متكاملة أقوى من الشعور بالجزيئات ولن يلاحظ المرء في بداية الأمر التغيرات الطفيفة التي تطرأ على جسده ونفسه .فانك تشعر أنك شاب لأن هذا الشعور يولده الروح التي لا تتغير.
والتغيرات الجسدية تدخل الجسد أسرع من دخولها النفس وخاصة في بداية الانقلاب العمري والوجه يكون أول من يستقبل التغيرات قبل باقي الجسد لأنهم يواجه التعب والتعابير الحسية والنفسية المتقلبة.
يوم بعد يوم وعام بعد عام تبدأ بمغادرة الحلم والصبا ويبدأ عودك بالضعف والانكسار وتعرف يوم ما أنك دخلت أرض مرحلة جديدة قلت فيها السعادة,فتعيش سنوات من الذكريات بالأمجاد الزائلة.وتبقى متمسكاً بذاك الزمن الجميل حتى تصطدم بمتاعب ومظاهر المرحلة العمرية الجديدة. مراسلة خاصة من الجزائر