إلى هناك..
إلى ذلك الحي الذي استعصى على الأيام..
إلى تلك المنازل المهجورة - المسكونة بذكريات لا تشيخ ولا تموت…
إلى حيث ثمة جدران تشعر..
ونوافذ تبصر..
ومئذنة خضراء يتيمة طالما أطلّت بكبرياء على حاجات لأناس رحلوا ولم يرحلوا….
إلى هناك…
إلى زمن خارج حدود المكان….
ومكان لا يخضع للزمن….
إلى هناك…
أخذتني عنوة قدماي….
ووطأت تراباً أعرفه ويعرفني
وشعرت به يتنفس..
وأحسست بنبضه يتسارع تحت قدميّ…
وكأنه يتذكر ملمسهما….
وانحنيت له…
كما يليق بهيبة أب…
انحنيت..
وأخذت حفنة منه..
قبّلتها..
ثم تركته ينساب من بين أصابعي كما انسابت سنوات العمر….
هنا…
في هذه الأزقة الضيقة…
الأرحب من قصور الأرض…
هنا.. تذوقت الحياة لأول مرة….
هنا تعلمت المشي… وتعلمت الكلام… وتعلمت الحب… وتعلمت سواه…
وهنا علمتني الحياة أول دروسها…
في هذه الأزقة علمتني الحياة أن البقاء فيها للأقوى….
وهنا راودتني الحياة عن نفسها…
أغوتني..
فتبعتها…
تبعتها وراء أحلام كبيرة.. وصعبة…
تبعتها لسنوات…
وسنوات..
وسنوات..
ومع كل سنة…
يتبخّر حلم..
ويتلاشى آخر…
ويحتضر آخر…
وأتخلى عن آخر..
حتى أفرغت الأيام جعبتي من كل الأحلام….
فعدت هنا أترنح في خيبتي…
لألوم هذه الأزقة أنها لم تعلمني الدرس كاملاً…
لم تقل لي أن البقاء في الحياة ليس للأقوى فقط….
بل أيضاً للأقل صدقاً !!!!
منقول للصدق والامانة